مجتمعنا الاستهلاكي أفقد شبابنا ثقتهم بأنفسهم ومهاراتهم الحرفية لدعم الانتاج المحلي
هناك فرص سياحية كبيرة ينقصها صناعة محتوى محلي ومرشدون محترفون
بثقة ووعي كبيرين يدير المهندس الشاب بسّام المحمدي فريقا من الشباب المبدع والطموح، ويحقق معهم نجاحات متتالية في عدة مشاريع وأعمال خاصة به. ويرى بسّام بأن قطاع السياحة والسفر به فرص واعدة بالرغم من المنافسة الكبيرة، لكنه يؤمن بأنهم في “فلاي أكيد” يراهنون على الاستثمار في البحث والتطوير التقني والتسويقي، وعلى قدرتهم في حل مشكلات السفر بشكل متجدد.
في الحوار التالي مع المحمدي، نتعرف أكثر على تجربة “فلاي أكيد” وغيرها من المحطات…
حوار: جمال إدريس
*عرفنا بنفسك، الدراسة والتخصص؟
– بسام بن عبد الله المحمدي، درست البكالوريوس في جامعة الملك سعود في علوم الحاسب ثم عملت في شركة الالكترونيات المتقدمة في البحث والتطوير – قسم تطوير المنتجات. ثم حصلت على درجتي ماجستير إحداهما في تطوير الأنظمة من جامعة “سايمون فريزر” بكندا، والثانية في إدارة الأعمال من جامعة الملك سعود. أسست مجموعة من الشركات الناشئة على مدى ٦ سنوات وهي: “عقار تك” في تقنيات العقار، “عنصر مشع” في الدعاية والإعلان وتطوير الهوية البصرية، “المبادرات التقنية” في تطوير المنتجات الرقمية، التي خرجت منها أخيراً شركة “فلاي أكيد” في خدمات وتقنيات السفر.
*لماذا اخترت الاستثمار في مجال السفر تحديداً؟
– بدأت شركة “المبادرات التقنية” المتخصصة في البحث والتطوير بهدف اختبار وصناعة المنتجات الرقمية، واقتنع بأفكارنا مجموعة من المستثمرين وحصلنا على التمويل اللازم لتسريع العمل، كنا نحاول إثبات فشل الأفكار قبل أن نبذل كل ما في وسعنا لإنجاحها، وهذه هي أهم مبادئ العمل باستراتيجية “Lean”، فالفشل المبكر هو أسرع طريقة للنجاح، وبعد اختبار عدة منتجات في مراحلها الأولية اتضح لنا أن مجال السفر مليء بالتحديات، وأخذنا على عاتقنا مهمة تسخير التقنية للتسهيل من مشقة السفر، ووجدنا مؤشرات رائعة لنمو القطاع وفرصة استحواذ على حصة من السوق من خلال التميز، بالإضافة إلى تنوع الشرائح المستفيدة بين أفراد وشركات وقطاع حكومي.
*من أين جاءتك فكرة تأسيس “فلاي أكيد”؟
– كنت أسافر بشكل شبه أسبوعي تقريباً إلى الظهران لحضور اجتماعات استشارية مع عملاء “عنصر مشع”، وكثيراً ما كنت أواجه مشكلة توفر الحجز المطلوب، وكان يصعب علي في ظل الانشغالات متابعة البحث على مواقع حجوزات السفر لتأكيد الحجز المناسب. لذلك كنت أطلب المساعدة من زوجتي “ندى” للبحث نيابة عني، حينها تبلورت في بالي فكرة المشروع، وصممت خوارزمية للبحث الآلي من خلال تمكين المسافرين لمساعدة بعضهم البعض في البحث والتنبيه بتوفر الحجوزات المرغوبة بدون عناء.
*متى أطلقت مشروعك وهل معك شركاء فيه؟
– بدأت فكرة “فلاي أكيد” في العام ٢٠١٤م ، وقمنا بتجربة المشروع قبل العمل على تطويره على مدى الشهرين الأولين من خلال تلبية طلبات سفر حقيقية كانت تصلنا من الأهل والأصدقاء عن طريق “الواتساب”، ثم قمنا بتطوير أولى نسخ البرنامج والموقع الالكتروني خلال أربعة أشهر، وأخيراً أطلقنا النسخة التجريبية على نطاق أوسع من المستخدمين قبل التدرج للإطلاق النهائي في منتصف العام ٢٠١٥م.
نعم معي شركاء أفخر بشراكتهم، انضموا كمستثمرين في جولات مختلفة، وموظفين أصبحوا شركاء من منطلق إيمانهم بالفكرة وتفانيهم في العمل.
* اشرح لنا ببساطة فكرة تطبيق “فلاي أكيد”؟
– هو موقع وتطبيق حجوزات سفر يتميز عن بقية التطبيقات والمواقع بأنه يوفر لك فرصة البحث عن مقعد بشكل تلقائي على الرحلات المفضلة حتى ولو كانت مغلقة، ويحجز لك المقعد بمجرد توفره ويرسل لك التذكرة، هو أشبه ما يكون بحجز الانتظار الذي توقفت أغلب الخطوط في العالم عن تقديمه لعملائها بشكل مباشر.
*كيف أطلقت مشروعك في بدايته وإلى أين وصل الآن؟
– كنا نقوم ببعض الاختبارات قبل إطلاق المنتج، وطلبت من أحد زملاء الدراسة أن يقوم بتجربة الموقع آنذاك ويبلغنا بالأخطاء، بعدها بأيام قليلة تفاجأت بنشاط غير عادي على الموقع بتسجيل أكثر من ألف مستخدم جديد وارتفاع عدد الحجوزات المؤكدة، كنا وقتها نخطط لإطلاق الموقع بشكل تجريبي خلال أسبوعين ولم نقم بأي حملات دعائية، تتبعنا المصدر فوجدنا أن أحد المغردين وضع رابط الموقع وقام بإعادة التغريد له مجموعة من المؤثرين، وقد حصل على الرابط من الزميل الذي قدم له “فزعة” وقام بتجربته وحصل على الخدمة فكتب عنها معبراً عن سعادته بالحصول على حجز شبه مستحيل على حد وصفه. ثم استمر الرابط في الانتشار في تويتر وانتقلت الموجة إلى مجموعات الواتساب وبعض الشبكات الأخرى، وفي اليوم التالي تجاوز عدد المسجلين الجدد في التطبيق ٥ آلاف مستخدم جديد، وقبل نهاية الشهر كنا قد كسرنا حاجز الـ ٧٠ ألف مستخدم للموقع، طلبوا قرابة ٣١ ألف حجز استطعنا تأكيد ٧٠٪ منها ولله الحمد.
*وهل توسعت في خدمات التطبيق بعد هذا الإقبال؟
– اليوم “فلاي أكيد” انتقل من مجرد تطبيق يقدم خدمة حجز الانتظار إلى مجموعة قابضة متخصصة في تقنيات السفر: تطبيقات متخصصة في تطوير تجربة السفر والسياحة للأفراد، ونظام ميسر لإدارة حجوزات الشركات والجهات الحكومية، ومزود خدمات تقنية متخصصة في قطاع السفر.
* برأيك، إلى أي مدى تلعب العلامة التجارية دوراً في نجاح أي مشروع؟
– العلامة التجارية هي ركيزة أساسية بلا شك، فهي تختزل فكرة فريدة عن المشروع في العقول وفق استراتيجية تجمع بين التسويق والإبداع وعلم النفس، وهي تنطلق من فهم احتياج الناس واستيعاب قيمة ما يقدمه لهم المشروع لسد ذلك الاحتياج، ويستدل الناس على من يسد حاجتهم ببساطة من خلال علامات فارقة مثل المظهر ونبرة الصوت والمشاعر تجاه “البراند” الذي يقع عليه الاختيار للشراء.
وكل علامة تجارية لها سبب وجودي Purpose””، ونحن في فلاي أكيد صنعناه ليكون: “تمكين المسافرين من اختيار فرص أفضل”. ولها أيضاً وعد “Promise” مثل الذي قطعناه على أنفسنا وهو أن نقدم تجربة أفضل بموثوقية، وأن نفتح الأبواب لخيارات أفضل. أضف إلى ذلك القيم التي تؤمن بها العلامة Values، ونبرة الصوت والشخصية Voice، والتمركز Positioning في عبارة واحدة. كل ذلك يوضح مدى أهمية العلامة التجارية، وأنها ليست مجرد اسم أو شعار مصمم بشكل جميل فقط.
*على ماذا استندت في اختيار براند “فلاي أكيد”؟
– إذا كنت تقصد الاسم، فقد كان نتيجة بحث وعصف ذهني وتقييم مبني على معايير، منها سهولة التذكر، ومدى الارتباط بالقيمة المضافة للمنتج، وقوة الملكية للاسم في أذهان الناس، ونغم الاسم وسهولة نطقه وتهجيه بالعربية والانجليزية. لا أزعم أن الاسم سيتمكن من خدمة كافة الطموحات التي نعمل عليها في “أكيد القابضة”، ولكن وضعنا استراتيجية “أكيد” كمظلة للعلامات التجارية الأخرى التي ستصدر لاحقاً وتجمع بينها روح الابتكار في السفر.
* يمكن لوكالات السفر تقديم مثل هذه الخدمة، ما الذي يميز تطبيقكم؟
– بالرغم من أننا الوحيدون في تقديم خدمة تأكيد حجز الانتظار بشكل تلقائي، إلا أننا لن نكتفي بذلك، ما يميزنا حقيقة عن وكالات السفر التقليدية هو أننا لا نتراجع عن الاستثمار في البحث والتطوير التقني والتسويقي، ونراهن على قدراتنا على حل المشكلات بشكل متجدد، ونؤمن بأننا مهما تميزنا اليوم فذلك لن يمنع المنافسين من اللحاق بنا، ولكن يكفينا طرح الجديد دوماً قبل الآخرين بفترة كافية وبجودة عالية.
حالياً نعتبر خدمة حجز الانتظار هي ما يميز التطبيق منذ انطلاقته في ٢٠١٥م، واليوم هو عامل الجذب لعملاء جدد يحجزون عن طريق التطبيق ليس بالضرورة على خدمة حجز الانتظار، ولكنهم يعلمون انها ستكون متوفرة لهم في حال احتاجوا لها خلال عطلة نهاية الأسبوع أو على رحلات معينة مرغوبة أو أثناء مواسم الإجازات.
*كيف يستفيد رواد الأعمال من الاستثمار في قطاع السياحة؟
– من خلال التركيز على قيمة حقيقية كبيرة يقدمونها وفكرة مبسطة، يمكن تحقيق ذلك عملياً من خلال التركيز على جوانب قوة تملكها في القطاع. على سبيل المثال، السوق المحلي يفتقر إلى البرامج السياحية المحلية المعدة بعناية واحترافية، يزور المملكة سنوياً ملايين الحجاج والمعتمرين، وقليل منهم من يتمكن من الوصول إلى مرشد سياحي محلي وذلك لعدم توفر خدماتهم على الانترنت بشكل سهل أو عدم عرضها تسويقياً بشكل جذاب، والفرصة أيضاً كبيرة في صناعة المحتوى السياحي العربي، حيث أن المحتوى المترجم أثره ضعيف بشكل عام ولا يناسب الذوق المحلي.
* كيف تنظر للفرص التي تتيحها رؤية 2030 للشباب لتأسيس مشاريعهم الخاصة؟
– الفرص لا حصر لها في العديد من المجالات، ونحن نمر بمرحلة انتقالية في تاريخ المملكة ونشهد الكثير من التحديات، وهناك عامل آخر هو التوطين الجاد والحثيث للوظائف والمشاريع، فهناك رغبة كبيرة اليوم في الكفاءات الوطنية، ولم يعد هناك تهاون مع ضعف الكفاءة والجودة في المشاريع، لأن الجميع أصبحوا في سباق مع الزمن للحاق بركب الرؤية وإنجاز دورهم من معادلة 2030.
*كيف تمكنت من التوفيق بين الفرص التي أتيحت لك؟
– بعد توفيق الله، اختيار الشركاء والفريق. اليوم تنمو عنصر مشع، المبادرات التقنية، وفلاي أكيد بشكل جيد بفضل الله ثم بفضل فريق عمل متميز وشركاء داعمين. توفقنا في عنصر مشع (http://om.sa) بخدمة علامات كبيرة في القطاعين الحكومي والخاص بجهود دؤوبة من فريق العمل. أما المبادرات التقنية ففريقها لم يكتفِ بتطوير فلاي أكيد فقط؛ بل قدموا منتجا استبيانيا estbyani.com كأول موقع عربي احترافي لتصميم الاستبيانات كبديل للمواقع الأجنبية، وفوق هذا وذاك الدعم اللامحدود الذي نتلقاه من أحد أوائل المسرعات في المملكة وهي “راز القابضة” شركاؤنا في كافة هذه المشاريع وغيرها.
*وما الذي ينقص الشباب لتحقيق النجاح المطلوب لمشروعاتهم؟
– تنقصهم الثقة بأنفسهم والاستعداد الدائم للتعلم والتدريب، فقد مرت علينا سنوات طويلة كمجتمع استهلاكي فقدنا من خلالها تفاني الحرفة ومهارة الصنعة، وتحول الكثير إلى العمل الإداري الروتيني الذي أفقدنا الثقة بأنفسنا كمنتجين يحققون قيمة مضافة للاقتصاد المحلي.