المملكة تتجه لبناء 16 مفاعلًا نوويًا بنهاية عام 2030
أتمنى توحيد آلية عمل للحاضنات التقنية السعودية
نلت جائزة الخارجية الأميركية عن اكتشافي نواة الفلور-14
حوار: محمد فتحي
ولدت في إحدى حارات مدينة «أبها»، في منتصف التسعينيات الهجرية، في كنف أب مثقف وشاعر، هو الباحث والمؤرخ علي بن إبراهيم الحربي؛ مؤلف الموسوعة الجغرافية للبلاد العربية السعودية، وأم استثنائية هي مريم بنت عائل الحربي، والتي كرمت في عام 1417هـ بجائزة الأم المثالية، نظير رحلة كفاحها في قهر الأمية حتى حصولها على الدرجة الجامعية بامتياز وتربية أبناء متعلمين تعليمًا عاليًا.
إنها مسيرة علمية وعملية ذخراة لعميدة التطوير وتنمية المهارات، وأستاذة الفيزياء النووية، والإشعاعية المساعد بقسم الفيزياء، بجامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن؛ الشابة السعودية الدكتورة عبير الحربي عالمة الفيزياء النووية وصاحبة كتاب «النظائر المشعة.. تطبيقات في العلوم الطبية الحيوية»، وابتكار آلية جديدة لإنتاج نظير الثاليوم المشع باستخدام تقنيات نووية لعلاج الجلطات الدماغية وانسداد الشريان التاجي وسرطان الأطفال، والحائزة على عدد من الجوائز العلمية والمنح، منها “الباحث المتميز” عن إنشاء مركز أبحاث النظائر الطبية المشعة في مركز السيليكترون الأمريكية فكيف كانت تجربتها؟
الدكتورة عبير الحربي في سطور؟
د. عبير بنت عبد الله الحربي، عميدة التطوير وتنمية المهارات، وأستاذة الفيزياء النووية، والإشعاعية المساعد بقسم الفيزياء، بجامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن. اخترت الفيزياء النووية عندما التحقت بالجامعة وواصلت في هذا المجال لبقية حياتي وتحصيلي العلمي . وقد بدأ اهتمامي بالفيزياء النووية والمفاعلات من المرحلة الثانوية؛ حيث كنت مولعة بفهم الطبيعة من حولي وقررت أن أتخصص في الفيزياء في البكالوريوس، وتخرجت بتفوق والحمد لله، وعينت معيدة في نفس الكلية، وحصلت على درجة الماجستير في الفيزياء النووية التجريبية عام 2002، وفي عام 2007 أنجزت مشروع الدكتوراة بفضل الله.
وفي مرحلة لاحقة حظيت بثقة قيادة جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن بتكليفي بمهام عمادة التطوير وتنمية المهارات في العام 2012، وما زلت بين هذا وذاك أسعى جاهدة لخدمة ديني ووطني ما وسعني الجهد إلى ذلك سبيلًا.
العقل أهم من الجيب
ما مدى مساهمة النشأة في تكوينك، وهل للجانب المادي للأسرة دور في تنمية أو الحد من الموهبة لدى الطفل؟
– “العلم في الصغر كالنقش على الحجر”، ولا شك في أن البيت والمدرسة والمجتمع مثلث بناء الشخصية لكل منا، والذي يؤدي اختلال أي من أضلاعه إلى الإسهام في بناء أو هدم شخصية الطفل.
وقد من الله علي بالنشوء والترعرع في كنف أسرة فيها (أم وأب) متعلمين وناجحين في حياتهما، وهما سليلا أسرة علم أيضًا، وكان لهما دور بارز لا يمكن إنكاره في دعمي وتحفيزي للتفوق العلمي.
ولا شك في أن الدعم المعنوي ونمط التربية الإنساني والأخلاقي أهم بكثير من المال أو حجم الملاءة المالية للأسرة؛ خاصة وأن جميع مراحل التعليم العام والعالي في المملكة مجانية لا تحمل الأسرة أعباء تتحملها أسر مماثلة في دول أخرى، التعليم فيها ليس مجانيًا.
الوضع المالي المرتاح للأسرة يؤثر في حياة الأبناء كنمط حياة ومعيشة، ولكن ليس بالضرورة أن يكون عاملًا مباشرًا في النبوغ والنجاح؛ فقد يكون عاملًا سلبيًا في بعض الحالات نتيجة الدلال المفرط وعدم الاهتمام بتنشئة الطفل، ولذلك فإن “العقل أهم من الجيب” عندما يتعلق الأمر بتربية وتعليم أطفالنا.
آلية جديدة لإنتاج نظير الثاليوم المشع
ابتكرت تقنية جديدة لإنتاج نظير الثاليوم المشع..فماذا عنه، وما بداياتك مع الاختراعات؟
– في عام 2007م، أنجزت مشروع الدكتوراة ، والذي تمثل في ابتكار آلية جديدة لإنتاج نظير الثاليوم المشع باستخدام تقنيات نووية لعلاج الجلطات الدماغية وانسداد الشريان التاجي وسرطان الأطفال؛ الأمر الذي فتح أمامي آفاقًا جديدة في هذا المجال، وقدمني للأوساط العلمية في العالم ، حصلت بعدها على زمالة فولبرايت الأميركية وعملت لمدة عامين أستاذًا زائرًا في جامعة (Texas A&M) بالولايات المتحدة الأميركية، وساهمت في تأسيس برنامج إنتاج النظائر الطبية المشعة، وعملت أبحاثًا في إنتاج النظائر الثقيلة وفي التفاعلات النووية والفيزياء النووية الفلكية. وقد اكتشفنا بفضل الله نواة الفلور-14، وكانت تجربة ثرية أضافت لي الكثير، وكرمتني وزارة الخارجية الأميركية بمسمى المرأة المتميزة في العلوم عن العام 2012 على مستوى الشرق الأوسط وجنوب أفريقيا.
لكل إنجاز قصة كفاح، حدثينا عن ذلك بالتفصيل والظروف التي ساهمت في ذلك؟
– النجاح بشكل عام، ما لم يمر عبر بوابة الكفاح والمعانة والتعثر أحيانا، أشك أنه قد يتحقق لأي إنسان، وأنا لست استثناءً؛ فهناك تحديات كثيرة مرت خلال مشوار الحياة أو المسيرة العلمية، تفرضها طبيعة الحياة والعلاقات الإنسانية وطبيعة المجتمع أحيانا، والذي نعلم جميعا أنه لعقود طويلة ظل حبيس النزعة الذكورية، والنظرة الخاصة تجاه المرأة، والتي ما زالت تسعى لتجاوزها رغم تذليل الكثير منها بفضل توجهات ودعم القيادة الرشيدة.
لم أتوقف عند هذه العثرات أو المعوقات، رغم أنها كانت مؤلمة أحيانًا، بل كانت بالنسبة لي نقاط لشحذ الطاقة والهمة والانطلاق مجددًا، فقد وضعت أمام عيني هدفًا وسعيت لتحقيقه.
هل خرج اختراعك للواقع العملي، وهل واجهتك معوقات؟
– نعم يعمل به كثير من مراكز الأبحاث والمستشفيات التخصصية محليًا ودوليًا، أما المعوقات فلا تتجاوز بعض البيروقراطيات التي كانت تعرقل العمل، ولكنها لم تحُل دون إنجازه.
– هل أثرت وظيفتك بجامعة الأميرة نورة على نشاطك البحثي ؟
– أهتم بجانب تخصصي في الفيزياء النووية والمفاعلات، بمجالات التنمية البشرية، وتنمية المواهب، والتدريب والتطوير التنظيمي، واستشارات تطوير الأداء على مستوى الأفراد والمنظمات وتطوير القيادات. وقد حققنا في جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن قفزات نوعية في هذا المجال وسمعة دولية محترمة، قطفنا نتاجها من خلال النجاح الكبير الذي تحققه المشروعات التطويرية والبرامج التدريبية والفعاليات التطويرية التي تنظمها العمادة وبدعم من الدكتورة هدى بنت محمد العميل؛ مديرة الجامعة، والدكتورة فاتن الزامل؛ وكيلة الجامعة للتطوير والجودة ، كما تمثلت في تميّز المؤتمر الدولي للتدريب والتطوير الذي نظمته العمادة تحت مظلة الجامعة وحضره خبراء دوليون من كافة أنحاء العالم، وحقق نجاحًا باهرًا .
وتعمل الجامعة على برنامج تأهيل القيادات التنفيذية الرائدة بالتعاون مع كلية «إنسياد» المشهورة عالمياً بفرنسا، وهو من أهم البرامج الدولية عالميًا، واحتفلنا مؤخرًا بتخريج الدفعة الأولى منه، كما ستنطلق قريبًا الدفعة الثانية (رجال – نساء)، وهو أحد أهم ثمرات التدريب والتطوير بالجامعة.
ولا شك في أن عملي في هذا المجال يستغرق جهدًا ووقتًا كبيرين؛ ما أثر على أبحاثي في الفيزياء النووية رغم أنى مازلت أعمل فيها، ولكن بزخم أقل من السابق، كما أحرص على مشاركتي في معظم المؤتمرات النووية الدولية في مختلف دول العالم.
وما رأيك في الحاضنات التقنية بالجامعات السعودية؟
أتمنى توحيد آلية عمل الحاضنات التقنية السعودية، والاستفادة من المبادرات الساعية إلى تطويرها في المملكة، لتحقيق النمو والتطور للمستفيدين منها، وأن توحد جهود دعم المبتكرين ورواد الأعمال التقنية، كما أتمنى من سيدات ورجال الأعمال الاضطلاع بمسؤولياتهم الاجتماعية بالمشاركة في دعم هذه الحاضنات عبر تقديم الدعم المالي المباشر، أو إنشاء الأوقاف في الجامعات والمراكز البحثية؛ لأن ذلك سينعكس مباشرةً على التنمية المستدامة في المملكة اقتصاديًا واجتماعيًا.
هل كان اختراعك ناتجًا عن إحساس بالمشكلة التي يعانيها المواطن، أم أنه مصادفة بحثية؟
– الفكرة قد تسوقها الصدفة، ولكن المنجز لا يمكن أن يتحقق بغير العمل والبحث والجهد المضني على مدار الساعة، الأمم لا تنهض بالصدفة، وانتظار الصدف لتحقيق الذات أو لبناء وتطور المجتمعات هو إعلان انتحار مؤجل للطموح والنجاح.
ما تطلعاتك للمستقبل؟
– المملكة مقبلة على مرحلة نمو نوعي، كشفت عنه خطة التحول الوطني 2030 التي أعلن عنها صاحب السمو الملكي؛ الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد وزير الدفاع رئيس مجلس الاقتصاد والتنمية، وفي ظل توجه المملكة الطموح والذكي لبناء وتفعيل عدد 16 مفاعلًا نوويًا بنهاية العام 2030، سأكون أنا وغيري من الباحثين جزءًا من هذه المنظومة الوطنية.
هل الإبداع قوة غامضة أو موهبة خارقة يحتكرها أشخاص معينون؟
– الموهبة والإبداع هبة إلهية بلا شك، ولكنها بدون الرعاية والاهتمام والتحفيز والدعم تضمحل وتخفت. والإبداع ليس قوة غامضة كما وصفتها، ولكنها تُحصَّل بالدراسة والتعلم، وتنمو متى وجدت الاهتمام والرعاية المناسبين.
إهدار كبير للمال العام
ما المعوقات التي تواجه المخترعين بشكل عام؟
– المعوقات التي تواجههم متنوعة، منها عدم الاهتمام والرعاية المناسبين من الأسرة ومن المدرسة، ومن المراكز المتخصصة أحيانًا. وللأسف الشديد، تبقى كثير من البحوث والدراسات حبيسة الأدراج وأرفف مكتبات الجامعات يعلوها الغبار، وفي هذا إهدار كبير للمال العام، عندما لا تنعكس هذه البحوث والابتكارات على التنمية الوطنية اجتماعيًا واقتصاديًا، بل وحتى سياسيًا وأمنيًا، كما أن دور القطاع الخاص والشركات يكاد يكون غائبًا عن استثمار هذه المنجزات ودعمها وإنتاجها وتحويلها إلى واقع ملموس وتسويقها، كما تفعل الشركات الكبرى في العالم.
نحن بحاجة ماسة إلى استلهام النماذج الرائدة في العالم واستنساخها، إذا ما أردنا ان ندخل سباق التطور والنمو العالمي، وأن يكون لنا قصب السبق فيه.