كنت في احد أسواق ماليزيا قبيل بضعة أشهر؛ حيث لفت انتباهي صوت لطفل لا يتجاوز العاشرة من عمره كان يكرر: ” هل هذه نوعية جيدة؟ “، فيرد عليه البائع في كل مرة “بالتأكيد”.
التفتُ تجاه الصوت وإذا بطفل يمسك بلعبة صغيرة، فلمحني البائع وبادرني بابتسامة تخفي وراءها معانٍ كثيرة.
لمَ كرر الطفل الكلمة؟
من علمه هذه الكلمة؟
من أخبره أنَّ الجودة العالية تعني ضمان استخدام أطول؟
هل يدرك أبعاد تلك الكلمة؟
أكملت تسوقي ولا زال فضولي يحوم حول التساؤلات السابقة، لكن في النهاية أيقنت أن سلوكيات الإنسان السوي لها دور كبير في ذلك.
وحيث إن المولود يولد على الفطرة السليمة، فمن أنطق الطفل هو سلوكه الداخلي السليم؛ ذلك السلوك الذي يرتبط بالبيئة المحيطة بالفرد، فالسلوك قد يكون واعيًا أو غير واعٍ، واختياريًا أو غير اختياري، كما أنّ له تأثيرات مباشرة في محيط الكائنات الحية، وينقسم إلى عدة أنواعٌ؛ كالسلوك الإجرائي الذي يعتمد على مؤثرٍ معيّن في البيئة المحيطة، والسلوك الفضولي، وغيرهما.
تصرف الطفل جعلني استحضر معنى وقيمة وأهمية الجودة في الإسلام، فهي نبراس ومنهاج في الإسلام، بل لها أصل ممتد الى عصور ماقبل الإسلام، ففي قصة إبراهيم- أثناء رفعه قواعد الكعبة- عبرة وهدى. ويذكر لنا التاريخ أن الدول الإسلامية كانت قوية واستمرت طويلًا لاهتمامها بالجودة.
ولست أذكر آية أو أثرًا فقط، يحثان على التركيز على زيادة العمل أو الجهد، بل إنَّ كل الأدلة تدل على إتقان العمل، كما في قوله تعالى: “لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا” ، وفي أكثر من موضع، أوصى النبي- صلى الله عليه وسلم – أصحابه بوصايا عظيمة في مقدمتها:”إِنّ اللَّهَ تَعَالى يُحِبّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ.
ومن خلال هذه اللمحة البسيطة، أشير إلى مدى اهتمام الإسلام بالجودة في كافة الميادين؛ لأنها التزام شامل بأداء الاعمال بشكل صحيح، بل كذلك في مجال التربية؛ إذ يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- :” كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ..”
مسؤول عن تقديم أفضل طرق التعليم وأجودها وأحدثها..
مسؤول عن تقديم أفضل أنواع الطعام والشراب..
مسؤول عن تيسير سبل الراحة بتقديم أجود المساكن..
وغيرها من الالتزامات التي ينبغي تقديمها بأعلى مقاييس الجودة.
ويخطيء كثيرون من الأفراد أو حتى المنظمات في فهمهم للجودة كممارسة، فيعتقدون أنها تعني زيادة الرقابة والأعباء وتأخير العمل، بل هي أسلوب حياة، غنها منهج نبوي،
متى مارسناها بعمق في التطبيق وسمو بالهدف، جنينا أفضل النتائج والمُخرجات التي تُشبع رغباتنا، وترضينا أولًا، ثم ترضي المستفيد.
من منطلق ما سبق، أوصي المتخصصين في الجودة، برفع مستوى التوعية بأهمية ممارسة الجودة، وزرع مفاهيمها الصحيحة وتطبيقاتها السليمة في كافة المنظمات.